الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وما كان فيه من لفظ يوهم نقصًا ما فقد تقدم في أول آل عمران أنه لا يجوز في شرعنا إطلاقه على الله تعالى وإن كان صح إطلاقه في شرعهم، فهو مؤول وقد نسخ؛ وقال الإمام محيي السنة البغوي في تفسير آل عمران فيما نقله عن وهب: فلما كان بعد سبعة أيام- أي من ادعاء اليهود لصلبه- قال الله تعالى لعيسى عليه السلام: اهبط على مريم المجدلانية في جبلها، فإنه لم يبك عليك أحد بكاءها، ولم يحزن عليك أحد حزنها، ثم لتجمع لك الحواريين فتبثهم في الأرض دعاة إلى الله تعالى، فأهبطه الله تعالى عليها فاشتعل الجبل حين هبط نورًا، فجمعت له الحواريين فتبثهم في الأرض دعاة، ثم رفعه الله إليه، وتلك الليلة هي التي تدخن فيها النصارى، فلما أصبح الحواريون حدث كل واحد منهم بلغة من أرسله عيسى عليه السلام إليهم، فذلك قوله تعالى: {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} [آل عمران: 54] هذا ما ذكر من شأن رسل عيسى عليه السلام أنهم كانوا دعاة، وأما رسل النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا مبلغين لكتبه صلى الله عليه وسلم، فمن قبل ذلك كان حظه من الله، ومن أبى كان جوابه السيف الماحق لدولته- كما ذكرته مستوفى في شرحي لنظمي للسيرة وهو مذكور في فتوح البلاد؛ ولما بعث صلى الله عليه وسلم رسله اتخذ لأجل مكاتبة الملوك الخاتم، أخرج أبو يعلى في مسنده عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر- وفي رواية: وأكيدر دومة وإلى كل جبار- يدعوهم إلى الله وأخرج الشيخان في صحيحهما- وهذا لفظ مسلم- عن أنس بن مالك أيضًا رضي الله عنه قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم- وفي رواية: إلى العجم- قالوا: إنهم لا يقرؤون كتابًا إلا مختومًا، فاتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا من فضة كأني أنظر إلى بياضه في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم نقشه «محمد رسول الله».فبعث دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه إلى قيصر ملك الروم وأمره أن يوصل الكتاب إلى عظيم بصرى ليوصله إليه، فعظم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وقبله وقرأه ووضعه على وسادة وعلم صدقه صلى الله عليه وسلم وأنه سيغلب على ملكه، فجمع الروم وأمرهم بالإسلام فأبوا، فخافهم فقال: إنما أردت أن أجربكم، ثم لم يقدر الله له الإسلام، فأزال الله حكمه عن الشام وكثير من الروم على يدي أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ثم عن كثير من الروم أيضًا على يد من بعدهم، ومكن بها الإسلام، لكن أثابه الله على تعظيم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم بأن أبقى ملكه في أطراف بلاده إلى الآن، وبلغني أن الكتاب محفوظ عندهم إلى هذا الزمان؛ وبعث شجاع بن وهب الأسدي رضي الله عنه إلى الحارث بن أبي شمر الغساني- وقال القضاعي: المنذر بن أبي شمر عامل قيصر على تخوم الشام- ثم إلى جبلة بن الأيهم الغساني، فأما الحارث أو المنذر فغضب من الكتاب وهمّ بالمسير إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقاتله، زعم فنهاه عن ذلك قيصر، فأكرم شجاعًا ورده وأسلم حاجبه مري الرومي بما عرف من صفة النبي صلى الله عليه وسلم في الإنجيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «باد ملك الحارث، وفاز مري» فقلّ ما لبث الحارث حتى مات، وولي بعده في مكانه جبلة بن الأيهم الغساني، وهو آخر ملوك غسان على نواحي الشام، فرد إليه النبي صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب رضي الله عنه، فرد على النبي صلى الله عليه وسلم ردًا جميلًا ولم يسلم، واستمر يتربص حتى أسلم في خلافة عمر رضي الله عنه لما رأى من ظهور نور الإسلام وخمود نار الشرك، ثم إنه ارتد- ولحق ببلاد الروم- في لطمة أريد أن يقتص منه فيها، فسبحان الفاعل لما يشاء! وبعث عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه إلى كسرى ملك الفرس، وأمره أن يدفع الكتاب إلى عظيم البحرين ليوصله إليه، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بدأ باسمه الشريف مزق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه، فرجع عبد الله، فلما سكن غضب الخبيث التمسه فلم يجده فأرسل في طلبه فسبق الطلب، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن تمزيق الكتاب، دعا على كسرى أن يمزق كل ممزق، فأجاب الله دعوته فشتت شملهم وقطع وصلهم على يد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ثم قتل يزدجرد آخر ملوكهم في خلافة عثمان رضي الله عنه، فأصبح ملك الأكاسرة كأمس الدابر، وعم بلادهم الإسلام وظهرت بها كلمة الإيمان، بل تجاوز الإسلام ملكهم إلى ما وراء النهر وإلى بلاد الخطا.وبعث حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه إلى المقوقس صاحب مصر والإسكندرية، فعلم من صدق النبي صلى الله عليه وسلم ما علمه قيصر من الإنجيل، فأكرم الرسول وأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم ورد ردًا جميلًا ولم يسلم، فأباد الله ملكه على يد عمرو بن العاص أمير لعمر رضي الله عنهما.وبعث عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه إلى النجاشي فآمن رضي الله عنه وقال: أشهد أنه النبي صلى الله عليه وسلم الأمي الذي ينتظره أهل الكتاب، وأن بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل عليهم السلام.وأن العيان ليس بأشفى من الخبر، وأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هدايا كثيرة، وأرسل ابنه بإسلامه في سبعين من الحبشة، وقال في كتابه: وإني لا أملك إلا نفسي ومن آمن بك من قومي، وإن أحببت أن آتيك يا رسول الله فعلتُ؛ فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي واستغفر له؛ وبعث العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين وإلى أسيحت مرزبان هجر بكتاب يدعوهما فيه إلى الإسلام أو الجزية، وأرض البحرين من بلاد العرب، لكن كان الفرس قد غلبوا عليها، وبها خلق كثير من عبد القيس وبكر بن وائل وتميم فأسلم المنذر وأسيحت وجميع من هناك من العرب وبعض العجم، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على عمله؛ وبعث سليط بن عمرو العامري رضي الله عنه إلى هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة، وكان عاملًا لقيصر على قومه، فقرأ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ورد ردًا دون رد، فصادف أن قدم عليه راهب من دمشق، فأخبره أنه لم يجب إلى الإسلام، فقال: لم؟ قال: ضننت بملكي، قال الراهب: لو تبعته لأقرك والخير لك في اتباعه، فإنه النبي صلى الله عليه وسلم، بشر به عيسى عليه السلام، قال هوذة للراهب: فما لك لا تتبعه؟ فقال: أجدني أحسده وأحب الخمر، فكتب هوذة كتابًا وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهدية مكانه ذلك، وشعر به قومه فأتوه فهددوه، فرد الرسول واستمر على نصرانيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع إليه سليط: «باد هوذة وباد ما في يده»! فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من فتح مكة جاءه جبرئيل عليه السلام بأن هوذة مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما إن اليمامة سيخرج بها كذاب يتنبأ يقتل بعدي»، فكان كذلك كما هو مشهور من أمر مسيلمة الكذاب، وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي رضي الله عنه إلى الحارث بن عبد كلال الحميري ملك اليمن، فلما بلغه رسالة النبي صلى الله عليه وسلم قال الحارث: قد كان هذا النبي عرض نفسه عليّ فخطئت عنه، وكان ذخرًا لمن صار إليه، وسأنظر، وتباطأ به الحال إلى أن أسلم عند رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك سنة الوفود، وكاتب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ وبعث عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى جيفر وعبد ابني الجلندي الأزديين ملكي عمان، فتوقفا واضطرب رأيهما، ثم عزم الله لهما على الرشد فقال جيفر: إنه والله قد دلني على هذا النبي صلى الله عليه وسلم الأمي أنه لا يأمر بخير إلاّ كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يفجر، وأنه يوفى بالعهد وينجز الوعد، ولا يزال يطع على سر قوم يساوي فيه أهله، وإني أشهد أنه رسول الله، وأسلم أخوه أيضًا، وكتبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامهما، فقال خيرًا وأثنى خيرًا، وكان في سير هؤلاء الرسل لعمري غير ما ذكر أحاديث عجائب وأقاصيص غرائب من دلائل النبوة وأعلام الرسالة، خشيت من ذكرها الإطالة وأن تمل وإن لم يكن فيها ما يقتضي ملاله، وقد شفيت في شرحي لنظمي للسيرة باستيفائها القليل في ترتيب جميل ونظم أسلوبه لعمري جليل، هؤلاء رسل البشر، وأما الرسل من الجن فقد روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجن يستمعون القرآن} [الجن: 29] قال: كانوا تسعة نفر من أهل نصيبين، فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلًا إلى قومهم.قال الهيثمي: وفي سنده النضر أبو عمر وهو متروك، ويؤيد عموم هذه الآية في تناولها الملائكة عليهم السلام قوله تعالى: {ليكون للعالمين نذيرًا} [الفرقان: 1] وإذا تأملت سياق الآيات التي بعدها مع آخر السورة التي قبلها قطعت بذلك {لينذر من كان حيًا} [يس: 70]، {إنما تنذر من اتبع الذكر} [يس: 11] إذ هم من جملة العالمين وممن بلغه القرآن وممن هو حي وممن اتبع الذكر، والخطاب بالإنذار وارد مورد التغليب، إذ الإنس والجن أهل له، فانتفى ما يقال: إن الملائكة في غاية الخوف من الله تعالى مع عصمتهم فليسوا ممن يخوف، ويزيد ذلك وضوحًا قوله تعالى: {ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين} [الأنبياء: 29] ولا إنذار أعظم من ذلك، وإن عيسى عليه السلام من هذه الأمة وممن شملته الآيات الدالة على عموم الرسالة بغير شك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده! لو كان موسى حيًا لما وسعه إلا اتباعي» أخرجه الإمام أحمد والدارمي والبيهقي في الشعب عن جابر رضي الله عنه، ومذهب أهل السنة أن رسل البشر أفضل من رسل الملائكة، وقد ثبتت رسالته إلى الأفضل المعصوم بالفعل لعيسى، وبالتعليق بالحياة بموسى عليه السلام، وقد أخذ الله سبحانه ميثاق النبيين كلهم عليهم السلام إن أدركوه ليؤمنن به، وقد خوطب النبي صلى الله عليه وسلم- وهو أشرف الخلق وأكملهم- بالإنذار في غير آية، فمهما أول به ذلك في حقه صلى الله عليه وسلم قيل مثله في حقهم عليهم السلام، ومما يرفع النزاع ويدفع تعلل المتعلل بالإنذار قوله تعالى: {لتنذر به وذكرى للمؤمنين} [الأعراف: 2] فخذل مفعول تنذر دال على عموم رسالته، وتعليق الذكرى بالمؤمنين مدخل لهم بلا ريب لأنهم من رؤوسهم- عليهم السلام، وقوله تعالى: {لتبشر به المتقين} [مريم: 97] إلى غيرها من الآيات، فيكون عموم رسالته لهم زيادة شرف له، وهو واضح، وزيادة شرف لهم بحمل أنفسهم على طاعته والتقيد بما حده لهم من أعمال ملته طاعة لله تعالى زيادة في أجورهم ورفعة درجاتهم، وذلك مثل ما قال أبو حيان في قوله تعالى: {فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين} [الأعراف: 144]: إن في الأمر له بذلك مزيد تأكيد وحصول أجر بالامتثال؛ وقال القاضي عياض في الفصل السابع من الباب الأول من القسم الأول من الشفا في قوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة} [آل عمران: 81] قال المفسرون: أخذ الله الميثاق بالوحي، فلم يبعث نبيًا إلا ذكر له محمدًا ونعته وأخذ عليه ميثاقه إن أدركه ليؤمنن به، وبعضد ذلك ما قال في أول الباب الأول: وحكي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبرئيل عليه السلام: «هل أصابك من هذه الرحمة المذكورة في قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} شيء؟ قال نعم! كنت أخشى العاقبة فآمنت لثناء الله عز وجل عليّ بقوله: {ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين} [التكوير: 20، 21]» وروى مسلم في كتاب الصلاة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون» وحمل من حمل الخلق على الناس- للرواية التي فيها «إلى الناس» تحكم، بل العكس أولى لمطابقة الآيات، وقد خرج من هذا العموم من لا يعقل بالدليل العقلي، فبقي غيرهم داخلًا في اللفظ، لا يحل لأحد أن يخرج منه أحدًا منهم إلا بنص صريح ودلالة قاطعة ترفع النزاع، وقال عياض في الباب الثالث من القسم الأول: وذكر البزار عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لما أراد الله تعالى أن يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان- فذكر المعراج وسماع الأذان من وراء الحجاب ثم قال: ثم أخذ الملك بيد محمد صلى الله عليه وسلم فقدمه، فأمّ بأهل السماء فيهم آدم ونوح- انتهى.وروى عبد الرزاق عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان الرجل بأرض قيّ فحانت الصلاة فليتوضأ، فإن لم يجد الماء فليتيمم، فإن أقام صلى معه ملكاه، وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه» قال المنذري: القيّ- بكسر القاف وتشديد الياء، وهي الأرض القفر.وروى مالك والستة إلا الترمذي وأبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا آمين»- وفي رواية إذا أمن الإمام فأمنوا- فإنه من وافق تأمينه- تأمين الملائكة- وفي رواية: من وافق قوله قول الملائكة- غفر له ما تقدم من ذنبه.وفي رواية في الصحيح: «إذا قال أحدكم في الصلاة: آمين، وقالت الملائكة في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم له من ذنبه» وفي رواية لأبي يعلى: إذا قال الإمام {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال الذين خلفه: آمين، التقت من أهل السماء وأهل الأرض آمين، غفر للعبد ما تقدم من ذنبه.وللشيخين عن أبي هريرة أيضًا رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه»؛ وفي رواية: فإذا وافق قول أهل السماء قول أهل الأرض غفر له ما تقدم من ذنبه؛ في أشكال ذلك مما يؤذن بائتمام الملائكة بأئمتنا، وذلك ظاهر في التقيد بشرعنا؛ وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم- وجزم ابن معين والذهلي بصحته- عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة» وأدل من جميع ما مضى ما روى مالك والشيخان وأبو داود وابن خزيمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر»؛ وفي رواية: «فإذا قعد الإمام طويت الصحف»؛ وفي رواية لأحمد عن أبي سعيد: فإذا أذن المؤذن وجلس الإمام على المنبر طويت الصحف ودخلوا المسجد يستمعون الذكر.فإن تركهم لكتابة الناس وإقبالهم على الاستماع دليل واضح على الائتمام، بما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة أيضًا رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت» قال الحليمي في الرابع من شعب الإيمان في الجواب عما أورد على قوله: {لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله} [الإسراء: 87] من أن التخصيص بالإنس والجن لا يمنع قدرة الملائكة على المعارضة ما نصه: وأما الملائكة فلم يتحدوا على ذلك لأن الرسالة إذا لم تكن إليهم لم يكن القرآن حجة عليهم، فسواء كانوا قادرين على مثله أو عاجزين، وهم عندنا عاجزون؛ وقال في الخامس عشر في أن من أنواع تعظيمه الصلاة عليه فأمر الله عباده أن يصلوا عليه ويسلموا، وقدم قبل ذلك إخبارهم بأن ملائكته يصلون عليه، فأمر الله عباده لنبيهم بذلك على ما في الصلاة عليه من الفضل إذا كانت الملائكة مع انفكاكهم عن شريعته تتقرب إلى الله تعالى بالصلاة والتسليم عليه، ليعلموا أنهم بالصلاة والتسليم عليه أول وأحق- هذا نصه في الموضعين، ولم يذكر لذلك دليلًا، ونسب الجلال المحلي في شرحه لجمع الجوامع مثل ذلك إلى البيهقي في الشعب فإنه قال: وصرح الحليمي والبيهقي في الباب الرابع من شعب الإيمان بأنه عليه الصلاة والسلام لم يرسل إلى الملائكة، وفي الباب الخامس عشر بانفكاكهم من شرعه، قال: وفي تفسير الإمام الرازي والبرهان النسفي حكاية الإجماع في تفسير الآية الثانية- أي {ليكون للعالمين نذيرًا} [الفرقان: 1] أنه لم يكن رسولًا إليهم- انتهى.
|